كنت مجاورا بمكة ـ حرسها الله تعالى ـ فأصابني يوما من الأيام جوع شديد
لم أجد شيئا أدفع به عني الجوع ،فوجدت كيسا مشدودا بشرابة، فأخذته وجئت به إلى بيتي ، فحللته فوجدت فيه عقدا من لؤلؤ ـ لم أرى مثله ـ فخرجت فإذا بالشيخ ينادي عليه ، ومعه خرقة فيها خمسمئة دينار وهو يقول :هذا لمن يرد علينا الكيس الذي فيه اللؤلؤ
فقلت : أنا محتاج ، وأنا جائع ، فآخذ هذا الذهب أنتفع به، وأرد عليه الكيس
فقلت له : تعال إلي ، فأخذته وجئت به إلى بيتي ، فأعطاني علامة الكيس ، وعلامة الشرابة ، وعلامة اللؤلؤ وعدده ، والخيط الذي هو مشدود به ، فأخرجته ودفعته إليه ، فسلم إلي خمسمائة دينار ، فما أخذتها ، وقلت : يجب علي أن أعيده إليك ولا آخذ له جزاء ، فقال لي : لابد أن تأخذ .وألح علي كثيرا ، فلم أقبل ذالك منه ، فتركني ومضى .
أما ما كان مني : فإني خرجت من مكة وركبت البحر ، فانكسر المركب ، وغرق الناس ، وهلكت أموالهم ، وسلمت أنا على قطعة من المركب
فبقيت مدة في البحرلا أدري أين أذهب ، فوصلت إلى جزيرة فيها قوم ، فقعدت في بعض المساجد ، فسمعوني أقرأ ، فلم يبقى في تلك الجزيرة أحد إلا جاء إلي وقال : علمني القرآن . فحصل لي من أولئك القوم شيئ كثير من المال.
قال : ثم إني رأيت في ذالك المسجد أوراقا من مصحف ، فأخذتها أقرأ فيها ، فقالو لي : تحسن تكتب ؟ فقلت : نعم
فقالو : علمنا الخط ، فجاءوا بأولادهم من الصبيان و الشباب ، فكنت أعلمهم ، فحصل لي أيضا من ذالك شيئ كثير، فقالو لي بعد ذالك : عندنا صبية يتيمة ، ولها شيئ من الدنيا نريد أن تتزوج بها ، فامتنعت ، فقالو : لابد وألزموني فأجبتهم إلى ذالك ، فلما زفوها إلي ، مددت عيني أنظر إليها ، فوجدت ذالك العقد بعينه معلقا في عنقها ، فما كان لي حينئذ شغل إلا النظر إليه ، فقالوا : يا شيخ ، كسرت قلب اليتيمة من نظرك إلى هذا العقد ، ولم تنظر إليها
فقصصت عليهم قصة العقد ، فصاحوا وصرخوا بالتهليل والتكبير ، حتى بلغ إلى جميع أهل الجزيرة ، فقلت : ما بكم ؟ فقالوا : ذالك الشيخ الذي أخذ منك العقد أبو هذه الصبية ، وكان يقول : ما وجدت في الدنيا مسلما أفضل من هذا الذي رد علي هذا العقد
وكان يدعو ويقول : اللهم اجمع بيني وبينه حتى أزوجه بابنتي ، والأن قد حصلت ، ........ فبقيت معها مدة ورزقت منها بولدين ، ثم إنها ماتت ، فورثت العقد أنا وولداي ، ثم مات الولدان ، فحصل العقد لي فبعته بمائة ألف دينار، وهذا المال الذي ترون معي من بقايا ذلك المال .
من كتاب لا تحزن و ابتسم للحياة
للشيخ الفاضل محمود المصري